
بما أن البعض قد وصف الكاتب (بالشيف)، والبعض من قديم الزمان قد أكد على أن لكل كاتبٍ نَفَسَهُ الخاص في الكتابة مثل ما للشيف نَفَسَهُ الخاص في الوصفة. فإن من الممكن أن توصف بيئة الكاتب بمطبخ الكتابة.
سنتناول في هذا المقال:
- أركان الكتابة.
- مصادر الإلهام للكاتب، وإلهام الكاتب للقراء.
- التقليد والابتكار.
- نمط الكتابة.
- البيان في الكتابة والارتقاء في الكتابة.
وعناوين كثيرة، وإجابات لأسئلة كثيرًا ما تسائلنا عنها، أجاب عنها الأستاذ الفاضل/أحمد العسّاف.

وبما أن لكل مطبخٍ بابًا فنبدأ ب:
الدخول لباب الكتابة والتفرغ لها:
يُطلِق البعض على الكتابة أنها حرفة، ويعتقدها البعض حرفة مقدّسة، والبعض يعتقد بأنها أهم وظيفة في العالم.
وبابها مفتوح يستطيع الولوج إليه من أراد ذلك، أي أن الإرادة هي العامل الرئيسي، وإن كانت هناك موهبة مسبقة فوجب تطويرها، وإن لم يوجد فهي مهارة قابلة للاكتساب.
والقراءة: هي الدافع الأساسي والوقود الأول للكتابة، فحتى يكون المرء كاتباً مُجيداً، ومؤثراً خالداً، وجب أن تكون علاقته بالقراءة وبالكتاب علاقة مستمرة وطيدة.
فهي الباعث للكتابة، وهي زاد الكاتب الفكري والثقافي والمعرفي، وبها تتحسن لغة الكاتب وذائقته وقدرته على التفكير، وهي تحيط بالكتابة من جميع النواحي.
ومنها نقول وجب أن يكون كل كاتبٍ قارئًا، وليس شرطًا أن يكون كل قارئٍ كاتبًا.
🔸ما هي الأمور التي لا يجب أن تغيب عن أي كتابة؟
تتمثل في ركنين أساسيين وتتفرع منهما أركان عدّة:
١. الفكرة:
فالكتابة دون فكرة هراء وتضييع وقت، فالفكرة هي أساس البيان، وعموده.
2. البيان (اللفظ):
من المهم أن يكون البيان تابعاً للفكرة، والمبنى أو ( اللفظ) تابعاً للمعنى، أي لا يتقدّم عليه، فلا يكون اللفظ زائداً عن المعنى، ولا ناقصاً عنه.
كما أن يكون البيان فخمًا والفكرة يسيرة، أو العكس، لذلك كان التوافق مطلبًا أساسيًّا.
صناعة الفكرة:
هناك 5 أبواب كبرى إذا ولج منها الكاتب تصبح صناعة الفكرة عنده تلقائية، وتشتغل في اللاواعي، شرطا أن تكون مع المران ومع اَلدُّرْبَة (التدريب) ومع التطبيق المستمر.
1.القراءة:
فهي منبع الأفكار، وليس شرطاً أن تُؤخذ الفكرة بشكل مباشر من القراءة، وإنما قد تكون القراءة سبباً في توليد الفكرة وصناعتها.
2.المشاهدة:
أن تكون عيون القارئ أكثر دقّة من عيون باقي الناس، أي أنه عندما يرى الشيء يستطيع أن يهبه من قدراته الفكرية، ما يجعل الناس الذين رأوا معه المشهد يفغرون فاههم عجباً، أن يقولوا نحن رأينا ما رأى لكن لم ينقدح في أذهاننا ما انقدح في ذهنه.
أي يجب أن يتمتع الكاتب دائماً بالاندهاش، والإنشداه.
3. الاستماع:
فقرين المشاهدة دائماً الاستماع، فكما قلنا أن عيون القارئ يجب أن تكون أكثر دقّة من عيون باقي الناس فكذلك آذانه.
وهو أن تجلس مع جميع فئات وطبقات الناس وتسمع من الجميع، أي أن تستمع لأي أحد وتستغل كل مجلس أو حوار أو حديث.
4. الذكريات:
كلنا لدينا ذكريات في كل محطة من محطات حياتنا، سواء كانت ذكريات سعيدة أم حزينة.
فهي مصدر ضخم للكتابة، فمنهم من قال: ” إن الكتابة ابنة الماضي”.
5. التفكير:
وهو باب يشترك مع جميع الأبواب السابقة وينفرد، فالكاتب مفكر، ولكن لا يجب أن ينقل كل ما يمر به مباشرة للقرطاس أو لوحة المفاتيح، إنما يجب أن يمرره على تروس ذهنه التي يُفترض أن تكون كتروس المصانع، يطحن فيها كل ما يَرِد إليها، ثم يُخرج مُنتجاً باسمه هو وينتسب له.
ومنهم من قال عن الكتابة: “إنها ابنة الصمت”.
يجب أن يتدرب الكاتب على هذه الأبواب الخمسة، بصبرٍ ورويّة وإصرار إلى أن يصبح أمر الكتابة عليه أسهل من شربة ماء.
🔸المدخل والاستهلال:
وهذه نقطة مهمة جِدّّا في البيان، حيث أنها تُعتبر المحطة التي تستقبل فيها قرّاءك.
وقد قال ابن المقفع: إن الكاتب يجب أن يُبدع في ثلاثة مواضع:
الاستهلال، والختام، والتخلّص.
والتخلّص: هو الانتقال من فقرة لأخرى، أو من فكرة لغيرها.
ومن صور المقدّمة التي تلفت نظر القارئ، أو تسترعي انتباهه.
القصّة، الإحصاءات، المقارنات، الأرقام، الأسئلة، أو وعدٍ بشيءٍ سيفيده.
🔸مصادر إلهام الكاتب:
_القراءة: سواء كان كتابًا ورقيًّا أو إلكترونيًّا، وسواءً كان مقروءًا أو مسموعاً.
ملخصات الكتاب، مراجعات الكتب، الأبحاث، المجلات العلمية.
_الشارع: مجرد أن يخرج الكاتب ويصير بين الناس، يجب أن يلتفت لكل ما يدل على وجود الناس وتجمعهم أو ازدحامهم، فقد يدل ذلك على حركة، أو على بحثٍ عن الرزق، على أمنٍ، على هروب الناس من بيوتهم، على كثافة سكانية، على سوء تنظيم في الحركة، أو نقصٍ في وسائل النقل العام. كل ذلك من مشهدٍ صامت، لكنه دلّ على أمورٍ كثيرة، فهو كما أسلفنا يمتلك نظرة ثاقبة أكثر من الآخرين.
_المجالس: البرامج السماعية، والتلفزيونية، والحوارية، البودكاست، حديث الناس، التأمل والتفكير، المشي، تجارِبه أو تجارِب الناس من حوله، والناس يحبون الحديث عن تجارِبهم.
🔸كيف يُلهم الكاتب من يقرأ له؟
من الأمور الرائعة للكاتب أن يكون مصدر إلهام للآخرين، سواء بكتاباته أو حواراته معهم أو حديثه مع أحدهم.
ومن الأمور المهمّة أن يحرص الكاتب على ألّا يكون مقاله وقتيّاً، أي أن تكون مناسبة وصالحة لكل زمان ومكان (دائم الخضرة) كما يُقال،
بالإضافة لأن يحرص على أن يكون ما يكتبه مؤثراً وملهماّ.
🔸التقليد والابتكار:
البداية دائماً صعبة، حتى أن العرب كانوا يقولون، السطر الأول هبة إلهية، ومنحة ربانية، وذلك أن مجيئه صعب.
يجب أن يتأكد الكاتب المبتدئ أن كل من سبقه من الكتّاب لم يصل لما هو عليه بسهولة، وأنه تعرض للنقد والتثبيط وربما الازدراء.
لذلك يُفترض بالكاتب أن يصبر على غيره من المثبّطين، وعلى قلة التفاعل، ويصبر على نفسه بالتعلم المتواصل والتطبيق المستمر. ف الذي يمشي خطوة خطوة ثبت، وإذا وصل؛ وصل رمزاً وأصبح أستاذًا، والذي يمكث في الأرض وينفع الناس يحتاج وقتًا، أما من يستعجل النتائج ويريد أن يقفز للقمة قفزاً، فإن مسيره السقوط، مثل الوجبات السريعة والصرعات السريعة سرعان ما يذهب وهجها وتتلاشى سريعًا.
وليعلم أن هذا الصبر سيقوده لمكانة عليّا -بإذن الله-.
وأما بخصوص تقليد الكاتب أسلوب من سبقه من الكُتّاب، فلا بأس في بداية أي كاتب أن يُقلّد، وأن يتقمّص أسلوب أي كاتب يُعجبه، لكن شرطَ أن يصل لمرحلة يتوقف عن ذلك ويكتب بأسلوبه الخاص، وذلك يتأتّى بتنوع مصادر القراءة؛ قُدامى، مُعاصرين، عرب، أجانب، مُوافقين، مُخالفين، فإذا كان المُدخل متنوعاً كان المُخرج خاصًّا بالكاتب نفسه لا يشبه أحدًا.
فالأسلوب= أنت = شخصيتك.
🔸نمط الكتابة:
هل يُفضّل أن يتخصص الكاتب في نوع واحد من أنواع الكتابة، أم أن يكتب في كل المجالات؟
وهنا نقول قد يُفتح على الكاتب في نوع من أنواع الكتابة ولا يُفتح عليه في غيره، فمثلاً قد يكتب كاتبًا بأسلوب ساخر وهو بعيد كل البعد عن السخرية، أو يحاول آخر أن يتصنّع الرزانة في كتابته وهو ليس برزين، وذلك أبعد ما يكون عن القبول.
وبالتالي! ” بل الإنسان على نفسه بصيرة”
فإن فتح الله عليك في مجال من مجالات الكتابة يجب أن تستثمر تلك النعمة، ولا يعني ذلك أن تنكفئ عن باقي الأنواع، ولكن المقصد أن تُركّز في المجال الذي فُتح عليك فيه.
فهناك كُتّاب كتبوا في عدة مجالات، وآخرين اقتصرت كتاباتهم على مجال واحد منها،
وذلك يرجع لما يجد الكاتب فيه نفسه وإقباله، وإبداعه وشغفه.
المهم أن لا يُقحم نفسه في نوع أو مجال هو ليس أهلاً له. فبمجرد أن تُجرب نفسك في مجال وتكرر المحاولة ولم تجد نفسك فيه فلا تضيع وقتك.
🔸البيان في الكتابة والارتقاء بالكتابة:
إن جيش الكاتب الأول هو الحروف والكلمات ويتمثلان في البيان، فيجب أن يستزيد الكاتب من هذا الجيش، سواءً كلمات أو تعابير أو تراكيب.
وكيف يستزيد؟ _ أولاً بالقراءة:
اقرأ أرقى ما في البيان العربي، وبلا شك في أنّ على رأسه!
- القرآن الكريم: كتاب الله الذي لا يضاهيه بيان.
- ومن ثم السنة النبوية المطهرة: يجب أن (يتغرغر) الكاتب بأقوال النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أفصح من نطق. أن يقرأ الكاتب في الصحاح والسنن والمسانيد.
- ومن ثم النثر العربي خاصّةً في زمن الاحتجاج (ربما ما بين القرون الثلاث الأولى) قبل أن تدخل لغة العجم على اللسان العربي كثيراً، وهو الزمن الذي يُحتج به بالكتاب أو الشعراء ولا يُحتج بأحدٍ بعده.
- أن يقرأ ما جُمع من خُطب العرب في الجاهلية، وأول الإسلام، أن يقرأ شعر المعلقات، شعر الجاهلية، شعر الإسلام، أن يقرأ كتب الجاحظ، كتب الأركان في الأدب العربي. فالجاحظ حجّة، والأعشى حُجّة، وللعلم فإن الشواهد على تفسير القرآن في كتب التفاسير نصفها من شعر الأعشى. فقد لُقّب ب (صنّاجة العرب)
وقد قال ابن خلدون: إن أشياخه كانوا يقولون أن أركان هذا العلم (الأدب والبيان) أربعة:
- البيان والتبيين، للجاحظ في مجلدين. وكل كتب الجاحظ من أراد أن يقرأها فيُفضّل أن يقرأها بتحقيق عبد السلام هارون، فهو من أئمة المحققين.
- الكامل في الأدب واللغة، لأبي العباس المبرّد، في مجلدين أيضاً.
- الآمالي، لأبي علي القالي.
- أدب الكاتب، لابن قتيبة.
هؤلاء الكتب الأربعة تُعد أركان الأدب.
ثم القراءة للكُتّاب المُجيدين، سواء المتقدمون أو المتأخرون، فمثلاً من الكُتّاب المتقدمين: أبو حيان التوحيدي، ابن القيم، ابن الأثير.
ومن المتأخرين: مثل: طه حسين، الرافعي، المنفلوطي، الزيات، الطنطاوي، محمود شاكر، عبد الوهاب عزام، بكر أبو زيد، محمد البشير إبراهيمي، محمد الخضر حسين، وغيرهم.
فقد أُوتوا قدرًا عاليًا من البيان.
✨وهناك قاعدة كتابية مهمة:
وهي أن المُخرَج نتيجة للمُدخَل، فإذا أردت أن يكون مستواك الكتابي في مستوى معين، اذهب واقرأ في ذلك المستوى.
لا تقرأ في مستوى منخفض ثم تنتظر أن يكون مستواك أعلى.
✨معلومة مهمة:
كتب الأمثال والتراكيب مهمة للكاتب، تفيده كثيراً، توسع مداركه، تعطيه قدرة على جوامع الكلم، وتمكّنه من إجادة التلخيص. وهناك موسوعة لكتب الأمثال مكونة من عدة مجلدات تسمى موسوعة الأمثال العربية.
أما التراكيب، فهناك كتاب قديم لأحمد أبو سعد (معاصر)، وهناك كتاب أصدره مركز التواصل المعرفي باسم معجم التراكيب.
أيضاً الأمثال العالمية مفيدة للكاتب، بها يحصل على خلاصة حضارات وزُبد الحضارات العالمية.
ومن أمثلة كتب الأمثال العالمية، موسوعة الأمثال والحكم العالمية، لسمير شيخاني.
أيضاً كتب الأساطير العالمية، لها أثر على بيان الكاتب وفكره، على ألّا يُصدِّق كل ما تأتي به.
أيضاً كتب المعاجم، ألم نقل أن جيش الكاتب هي الكلمات، ومن أين يأتي بها إلا من المعاجم، فيجب أن يكون للكاتب نظرة يومية للمعجم، لو لم يقرأ فيها إلا خمس دقائق.
ومن الأمثلة على كتب المعاجم، القاموس المحيط، جواهر الألفاظ، معجم الألفاظ الكتابية، فقه اللغة، المنجد.
فهذه الكتب مفيدة للكاتب، وترتقي ببيانه وتعلمه الفرق بين الكلمة وغيرها، والكلمة وأختها أو مرادفها.
🔸 العنوان:
يجب أن يكون العنوان مُعبّرًا عن المضمون، إياك والعنوان المخادع حتى لا تسقط من عين جمهورك. فالكاتب ليس مخادعًا وتلك صفة ذميمة لا يجب أن يتصف بها أي كاتب.
🔸هل هناك طقوس للكتابة؟
هناك من يربط كتابته بطقوس مثل شرب القهوة أو كأس الشاي، أو وقت الشروق أو عند الغروب، أو على موسيقى محددة، وهناك من لم يربط كتابته بأي طقوس، بل يكتب في أي وقت وعلى أي حال، وهذا هو الأصح، أن لا يكون الإنسان أسير طقوسه، أو رهين عاداته،
وذلك حتى لا يعيقك عدم انضباط كأس قهوة، أو عدم توفر كأس الشاي، أو تأخّرك عن وقت الشروق، أو انتظارك موعد الغروب.
فكلما تحرر الكاتب من طقوسه كان أفضل.
🔸محظورات الكتابة:
- أن يكون حرامًا أو مكروهًا (يُغضب المولى عزّ وجل) فيجب الالتزام بالضوابط الشرعية.
- ما يُمنع نظاماً (أي كسر القواعد والقوانين).
- الادعاء، التزوير، الكذب، السرقة (أن يسرق الكاتب جهد غيره)، فبركة العلم نسبته لأهله.
- الترميز الزائد: وهي عملية إبداعية تُعطي ميزة للكاتب، وتمنحه انتشاء، وتُعطي وهجًا للعمل وتزيده قيمة، شرط أن يكون هذا الترميز قابلاً للفهم، بحيث أن تكتب ترميزًا هناك ما يدل عليه، أو ترميزًا قابلاً للفهم من سياق الكلام، فذلك مقبول.
🔸معوقات الكتابة:
هناك معوقات كثيرة ولكن جميعها قابلة للتذليل، ويمكن التغلّب عليها بالمصابرة والاجتهاد.
_أحدها ذاتية فالبعض سريع يحب النبوغ السريع، والإنجاز السريع، والانتشار السريع، وهذا لا يتأتّى بيسر، ويحتاج لوقت وصبر.
_هموم الدنيا وضغوط الحياة(أمراضه، مسؤولياته، التزاماته…)
_سوء الفهم من الآخرين أو التصيُّد.
_ عدم الجَلَد على القراءة وعلى البحث، فالبعض يسعى للنتائج السريعة والجاهزة، وهذا الشأن الثقافي والكتابي يحتاج نضوجًا على نار هادئة. وأيضاً الممارسة المستمرة من أهم الأمور التي يجب أن يلتزم بها الكاتب، والكاتب الذي يترك الكتابة ولا يشعر بضيق واختناق فهذا لم يُخلق ليكون كاتباً، فالأفضل له أن يتوجّه لمجالٍ آخر. لأن الكاتب الحق هو من إذا تركها اختنق وإذا كتب شعر أنه تنفس.
_بعض الكُتّاب عنده إشكالية في أن يُنتقد، وهذا خطأً فادحاً، فقد قالت العرب: “إن الناظر في العمل أبصر بمواطن الخلل فيه من مُنشئه” وذلك أن الكاتب تنشأ بينه وبين العمل أُلفة واعتياد تمنعه من رؤية الخلل، ولو ترك الكاتب فاصلاً زمنياً بينه وبين عمله الكتابي، ثم رجع له بعد أن قد نساه أو نسى بعضه، فعندئذٍ سينظر لعمله بمنظار القارئ الناقد.
ومن أهم مراحل الكتابة هي إعادة الكتابة، وقد قال الكُتّاب النوبليون وغيرهم: “إنما الكتابة هي إعادة الكتابة”.
وإن كانت المراجعة والتنقيح صعبةٌ على الكاتب المُبتدئ، فهي سهلةٌ ممتعةٌ للكاتب المتقدّم المخضرم، ويحتاج الكاتب إلى مهارة في المراجعة، وشجاعة في الحذف، فيتخلص من الكلام الزائد، والعبارات المكررة، دون ألمٍ وتوجع على ما تخلّص وحذف، وألّا يُطيل الوقوف عنده.
🔸حبسة الكاتب:
وتسمى أيضاً قفلة الكاتب، والانغلاق، وهي حالة تصيب الكاتب.
كيف تتعامل معها ككاتب؟
_ أولاً أن تعلم أنها أمرٌ طبيعي.
_ثانياً أن تتعلم مهارة الكتابة في الذهن( تُفكّر بالأمر) حتى إذا جلست للكتابة تدفّقت كلماتك من خلال تفكيرك بها.
_ اذهب لعمل كتابي آخر واكمله، أي اترك العمل الذي أُغلق عليك فيه واذهب لغيره.
_ اقرأ شيئاً جديداً، حادث إنساناً مُلهماً، اعمل شيئاً مُختلفاً، سافر، اسبح، امشي، فالرياضات الهوائية والمائية جميعها تصنع فارقاً كبيراً.
هذه كلها أمور تعين على فكّ حالة الانغلاق، وأهمها أن تعلم أنها أمراً طبيعياً وأن المفتاح بيدك.
🔸صقل مهارة الكتابة:
أول عامل مساعد هي الكتابة اليومية، وهي بمثابة الإحماء الرياضي، فإذا جاء موعد المباراة الحقيقية كان هذا الذي يُسخن بشكل يومي هو الذي يفوز.
قد يرى الكاتب أن يومياته روتينية ليس لها قيمة أو أهمية تُذكر، لكن هذه اليوميات تظهر أهميتها بعد حين عندما نقرؤها كذكريات.
وهي أكثر نصيحة يوصي بها أكثر الكُتّاب تأليفاً وكتابة. أكتب يومياً حتى إذا رجعت لها بعد سنة وجدت مادة قابلة بنوع من التهذيب والتحرير أن تكون كتاباً.
🔸 برامج صناعة الكتابة:
على مستوى العالم هناك اهتمام عالٍ ومكثف بموضوع الكتابة عن طريق الجامعات، وبرامج الكتابة لطلاب المتوسطة والثانوية. ونأسف أن هذا الأمر غائب على المستوى العربي، يوجد برامج ولكنها ليست مدعومة بقوة، إنما لا زالت اجتهادات.
🔸التحرير:
التحرير مهارة مهمة جدّاً، وثقافة قوية في الغرب ضعيفة عندنا،
المحرر عنده قدرة على الكتابة، لكن قد لا يكون كاتباً، أما الكاتب مهما بلغت مهاراته وقدراته في الكتابة فهو بحاجة لعين تُبصّره وهو المحرر وهو معاون أمين للكاتب، و يُعدّ الشريك غير الظاهر له، ولكن يجب ألّا يرتهن الكاتب لرأي المحرر، بل يُفترض أن يكون هناك نقاش وتكافؤ، بغير عِداء بينهما، ولا يكتفي المحرر فقط بالإملاء والنحو، بل باللغة، والسياق، والأسلوب، والأفكار، والثغرات، وبكل ما يراه زائداً أو ناقصاً.
وهي ثقافة بدأت تنتشر عندنا ويكون لها حضور، وهي مهمة ومكملة للكتابة، وترتفع بذائقة القارئ.
🔸خلود الأعمال الكتابية:
يستطيع الكاتب أن يُخلّد أعماله من خلال أمور كثيرة من ضمنها:
_ أن يتعب على عمله، بحيث ألّا يكون عمله ثانويًّا في حياته بل أساسي.
_ أن يكون الاستعداد والاحتشاد عنده على قدر العمل، فإذا استعد واحتشد وتأنى وتمهل وخدم العمل على قدر ما يستطيع، حتى يصبح العمل روحه، سُجِّل من الأعمال الخالدة، حتى بعد رحيله.
🔸طرق التأليف بالمراجعة والتلخيص:
وهذا العمل يرجع بفائدتين على الكاتب:
وهما القراءة، والكتابة في آن واحد، فيجمع بذلك بين القراءة العميقة، والكتابة التي هي حرفته، ومن ثم يستفيد شيئًا ثالثًا، وهو أن يعرف الحسنات التي استخدمها المؤلف فيحسنها ويطورها، ويعرف الثغرات والأخطاء التي وقع فيها، فيتجنبها ويتحاشاها، فتكون الفائدة مضاعفة.
🔸 نصيحة للكُتّاب:
استمر، لا تتوقف، ولا تطلب الكمال في بداياتك، فهذا الكم الكبير من إنتاجك واستمرارك سيدفعك مع الأيام إلى كيفٍ متميز، مؤثر، خالد، حتى بعد رحيلك.
وصلنا أخيرًا إلى نهاية جولتنا في مطبخ الكتابة، فقد كان هذا تلخيصًا لبودكاست شرفة مهارية بعنوان مطبخ الكتابة مع الأستاذ الفاضل/ أحمد العسّاف.
رأي واحد حول “هل جربت أن تُعدّ وصفة كتابية شهية؟ سآخذك بجولة في مطبخ الكتابة من الولوج إلى الخروج بوجبة شهية”